فصل: تفسير الآية رقم (69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (66):

{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)}
ما المراد بالإنسان؟ الإنسان تُطلق ويُراد بها عموم أي إنسان مثل: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج: 19] ويُراد بها خصوصية لبعض الناس، كما في قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على ما آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [النساء: 54] فالمراد بالناس هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أو قوله تعالى: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل} [آل عمران: 173] فالمراد: ناسٌ مخصوصون.
والمعنى هنا: {وَيَقُولُ الإنسان} [مريم: 66] أي: الكافر الذي لا يؤمن بالآخرة، ويستبعد الحياة بعد الموت: {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم: 66] والاستفهام هنا للإنكار، لكن هذه مسألة الردُّ عليها سَهْل مَيْسور، فيقول تعالى: {أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان}

.تفسير الآية رقم (67):

{أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)}
فلأنْ يُعادَ الإنسانُ من شيء أهونُ من إنْ يعاد من لا شيء؛ لذلك قال تعالى في توضيح هذه المسألة: {وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] مع أن الخالق سبحانه وتعالى لا يُقال في حقه تعالى هَيِّن وأهون، أو صعب وأصعب، ولكنه يحدثنا بما نفهم وبما نعلم في أعرافنا.
ففي عُرْفنا نحن أن تنشيء من موجود أسهل من أنْ تنشيء من عدم، وإنْ كان فعل العبد يقوم على المعالجة ومزاولة الأسباب، ففِعْل الخالق سبحانه إنما يكون بقوله للشيء (كُنْ فيكون).
وفي آية أخرى يقول تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28].
ولما سُئِل الإمام علي كرَّم الله وجهه: كيف يُحاسِب اللهُ الناسَ جميعاً في وقت واحد؟ قال: كما يرزقهم جميعاً في وقت واحد.
فقوله: {أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان} [مريم: 67] أي: لو تذكّر هذه الحقيقة ما كذَّب بالبعث، وقد عولجت هذه المسألة أيضاً في قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78].
فلو تذكَّر خَلْقه الأول ما ضرب لنا هذا المثل. ثم يأتي الجواب منطقياً: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79].
وهنا أيضاً يكون الدليل: {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم: 67].
ثم يقول الحق سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين}

.تفسير الآية رقم (68):

{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)}
قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين} [مريم: 68] الحشر: أن يبعثهم الله من قبورهم، ثم يسوقهم مجتمعين إلى النار هم والشياطين الذين كانوا يُغْرونهم بالمعصية ويُزينونها لهم.
{ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} [مريم: 68] يقال: جثا يجثو فهو جَاثٍ. أي: ينزل على ركبتيه، وهي دلالة على الذِّلَّة والانكسار والمهانة التي لا يَقْوى معها على القيام.

.تفسير الآية رقم (69):

{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)}
النزع: خَلْع الشيء من أصله بشدة، ولا يقال: نزع إلا إذا كان المنزوع متماسكاً مع المنزوع منه، ومن ذلك قوله تعالى: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ} [آل عمران: 26] كأنهم كانوا مُتمسّكين به حريصين عليه.
وقوله: {مِن كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: 69] أي: جماعة متشايعون على رأي باطل، ويقتنعون به، ويسايرون أصحابه: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً} [مريم: 69] العتي: وهو الذي بلغ القمة في الجبروت والطغيان، بحيث لا يقف أحد في وجهه، كما قلنا كذلك في صفة الكِبَر {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} [مريم: 8] لأنه إذا جاء الكبر لا حيلةَ فيه، ولا يقدر عليه أحد.
ومعلوم أن رسالات السماء لما نزلتْ على أهل الأرض كان هناك أناس يُضارون من هذه الرسالات في أنفسهم، وفي أموالهم، وفي مكانتهم وسيادتهم، فرسالات الله جاءتْ لتؤكد حَقّاً، وتثبت وحدانية الله، وسواسية الخَلْق بالنسبة لمنهج الله.
وهناك طغاة وجَبَّارون وسادة لهم عبيد، وفي الدنيا القوى والضعيف، والغني والفقير، والسليم والمريض، فجاءت رسالات السماء لِتُحدِث استطراقاً للعبودية.
فَمن الذي يُضَار ويَغْضَب ويعادي رسالات السماء؟ إنهم هؤلاء الطغاة الجبارون، أصحاب السلطة والمال والنفوذ، ولابد أن لهؤلاء أتباعاً يتبعونهم ويشايعونهم على باطلهم.
فإذا كان يوم القيامة ويوم الحساب، فبمَنْ نبدأ؟ الأنكَى أن نبدا بهؤلاء الطغاة الجبابرة، ونقدم هؤلاء السادة أمام تابعيهم حتى يروهم أذلاء صاغرين، وقد كانوا في الدنيا طغاةً متكبرين، كذلك لنقطع أمل التابعين في النجاة.
فربما ظَنُّوا أن هؤلاء الطغاة الجبابرة سيتدخلون ويدافعون عنهم، فقد كانوا في الدنيا خدمهم، وكانوا تابعين لهم ومناصرين، فإذا ما أخذناهم أولاً وبدأنا بهم، فقد قطعنا أمل التابعين في النجاة.
وقد ورد هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 83] أي: من كبارهم وطُغَاتهم، ليرى التابعون مصارع المتبوعين، ويشهد الضعفاء مصارع الأقوياء، فينقطع أملهم في النجاة.

وفي حديث القرآن عن فرعون، وقد بلغ قمة الطغيان والجبروت حيث ادَّعى الألوهية، فقال عنه: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود} [هود: 98] فهو قائدهم ومقدمتهم إلى جهنم، كما كان قائدهم إلى الضلال في الدنيا، فهو المعلم وهم المقلّدون.
فعليه إذن وزْران: ضلاله في نفسه، ووزْر إضلاله لقومه، كما جاء في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: 79].
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين}

.تفسير الآية رقم (70):

{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)}
صلياً: اصطلاء واحتراقاً في النار من صَلِيَ يصْلَى: أي دخل النار وذاق حرَّها. أما: اصطلى أي: طلب هو النار، كما في قوله تعالى: {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: 7].
والمعنى: أننا نعرف مَنْ هو أَوْلى بدخول النار أولاً، وكأن لهم في ذلك أولويات معروفة؛ لأنهم سيتجادلون في الآخرة ويتناقشون ويتلاومون وسيدور بينهم مشهد فظيع رَهيب يفضح ما اقترفوه.
فالتابع والمتبوع، والعابد والمعبود، كُلٌّ يُلقي باللائمة على الآخر، اسمعهم وهم يقولون: {رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب: 67- 68].
وفي آية أخرى: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب} [البقرة: 166].
وصدق الله العظيم حين قال: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67].
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}

.تفسير الآية رقم (71):

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)}
وهذا خطاب عام لجميع الخلْق دون استثناء، بدليل قوله تعالى بعدها: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} [مريم: 72] إذن: فالورود هنا يشمل الأتقياء وغيرهم.
فما معنى الورود هنا؟ الورود أن تذهب إلى مصدر الماء للسقيا أي: أخْذ الماء دون أنْ تشرب منه، كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ} [القصص: 23] أي: وصل إلى الماء.
إذن: معنى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] أي: أنكم جميعاً مُتقون ومجرمون، سترِدُون النار وتروْنها؛ لأن الصراط الذي يمرُّ عليه الجميع مضروب على مَتْن جهنم.
وقد ورد في ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال قال صلى الله عليه وسلم: «يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فنَاجٍ مُسلَّم، ومخدوش به، ثم ناج ومحتبس به، ومنكوس ومكدوس فيها».
فإذا ما رأى المؤمن النار التي نجاه الله منها يحمد الله ويعلم نعمته ورحمته به.
ومن العلماء مَنْ يرى أن ورد أي: أتى وشرب منه ويستدلون بقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار} [هود: 98] أي: أدخلهم. لكن هذا يخالف النسق العربي الذي نزل القرآن به، حيث يقول الشاعر:
وَلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمامُه ** وَضَعْنَا عِصِيَّ الحاضِرِ المتَخَيِّمِ

أي: حينما وصلوا إلى الماء ضربوا عنده خيامهم، فساعةَ أنْ وصلوا إليه وضربوا عنده خيامهم لم يكونوا شَرِبوا منه، أو أخذوا من مائه، فمعنى الورود أي: الوصول إليه دون الشُّرب من مائه.
وأصحاب هذه الرأي الذين يقولون {وَارِدُهَا} [مريم: 71] أي: داخلها يستدلون كذلك بقوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً} [مريم: 72] يقولون: لو أن الورود مجرد الوصول إلى موضع الماء دون الشرب منه أو الدخول فيه ما قال تعالى: {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا} [مريم: 72] ولِقَال: ثم يُنجِّي اللهُ الذين اتقوا ويُدخِل الظالمين.. لكن {وَّنَذَرُ الظالمين} [مريم: 72] فيها الدليل على دخولهم جميعاً النار.
فعلى الرأي الأول: الورود بمعنى رؤية النار دون دخولها، تكون الحكمة منه أن الله تعالى يمتنُّ على عباده المؤمنين فيُريهم النار وتسعيرها؛ ليعلموا فضل الله عليهم، وماذا قدَّم لهم الإيمان بالله من النجاة من هذه النار، كما قال تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
ويمكن فَهْم الآية على المعنى الآخر: الورود بمعنى الدخول؛ لأن الخالق سبحانه وتعالى خلق الأشياء، وخلق لكل شيء طبيعةً تحكمه، وهو سبحانه وحده القادر على تعطيل هذه الطبيعة وسلبها خصائصها.
كما رأينا في قصة إبراهيم عليه السلام، فيكون دخول المؤمنين النارَ كما حدث مع إبراهيم، وجَعْلها الله تعالى عليه بَرْداً وسلاماً، وقد مكَّنكم الله منه، فألقوه في النار، وهي على طبيعتها بقانون الإحراق فيها، ولم يُنزِل مثلاً على النار مطراً يُطفِئها ليوفر لهم كل أسباب الإحراق، ومع ذلك ينجيه منها لتكون المعجزة ماثلةً أمام أعينهم.
وكما سلب الله طبيعة الماء في قصة موسى عليه السلام فتجمد وتوقفت سيولته، حتى صار كل فِرْقٍ كالطوْد العظيم، فهو سبحانه القادر على تغيير طبائع الأشياء. إذن: لا مانع من دخول المؤمنين النارَ على طريقة إبراهيم عليه السلام {قُلْنَا يانار كُونِي بَرْداً وسلاما على إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69].
ثم يُنجِّي الله المؤمنين، ويترك فيها الكافرين، فيكون ذلك أنْكَى لهم وأغيظ.
ثم يقول تعالى: {كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} [مريم: 71] الحتْم: هي الشيء الذي يقع لا محالةَ، والعبد لا يستطيع أنْ يحكم بالحتمية على أيّ شيء؛ لأنه لا يملك المحتوم ولا المحتوم عليه. فقد تقول لصديقك: أحتم عليك أنْ تزورني غداً، وأنت لا تملك من أسباب تحقيق هذه الزيارة شيئاً، فمَنْ يدريك أن تعيشَ لغد؟ ومَنْ يدريك أن الظروف لن تتغير وتحُول دون حضور هذا الصديق؟
إذن: أنت لا تحتم على شيء، إنما الذي يُحتِّم هو القادر على السيطرة على الأشياء بحيث لا يخرج شيء عن موارده.
فإنْ قلتَ: فمَنِ الذي حتَّم على الله؟ حتَّم الله على نفسه تعالى، وليست هناك قوة أخرى حتَّمتْ عليه، كما في قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الأنعام: 54].
ثم يؤكد هذا الحتم بقوله: {مَّقْضِيّاً} [مريم: 71] أي: حكم لا رجعةَ فيه، وحُكْم الله لا يُعدِّله أحد، فهو حكم قاطع. فمثلاً: حينما قال كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة، يريدون أنْ يتعايش الإيمان والكفر.
لكن الحق تبارك وتعالى يريد قَطْع العلاقات معهم بصورة نهائية قطعية، لا تعرف هذه الحلول الوسط، فقال سبحانه: {قُلْ ياأيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكفارون: 16].
وقَطْع العلاقات هنا ليس كالذي نراه مثلاً بين دولتين، تقطع كل منهما علاقتها سياسياً بالأخرى، وقد تحكم الأوضاع بعد ذلك بالتصالح بينهما والعودة إلى ما كانا عليه، إنما قَطْع العلاقات مع الكفار قَطْعاً حتمياً ودون رجعة، وكأنه يقول لهم: إياكم أنْ تظنوا أننا قد نعيد العلاقات معكم مرة أخرى؛ لذلك تكرَّر النفي في هذه السورة، حتى ظنّ البعض أنه تكرار؛ ذلك لأنهم يستقبلون القرآن بدون تدبُّر.
فالمراد الآن: لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وكذلك في المستقبل: ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد. فلن يُرغمنا أحد على تعديل هذا القرار أو العودة إلى المصالحة.
لذلك أتى بعد سورة(الكافرين) سورة الحكم: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فلا ثانيَ له يُعدِّل عليه، فكلامه تعالى وحكمه نهائي وحَتْماً مقضياً لا رجعةَ فيه ولا تعديل.
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا}